Kamis, 01 Desember 2011

التبرك بأثار النبي صلى الله عليه وسلم


التبرك بأثار النبي صلى الله عليه وسلم
صورة عن مقام النبي صلّى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب
روى أبو بكر بن أبي شيبة وابن إسحاق والإمام أحمد بن حنبل من طرق متعددة بألفاظ متقاربة أن أبا أيوب رضي الله عنه قال وهو يحدث عن أيام رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنده: «لما نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم في بيتي نزل في أسفل البيت وأنا وأم أيوب في العلو، فقلت له: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتي، فاظهر أنت فكن في الأعلى، وننزل نحن نكون في السفل. فقال: يا أبا أيوب، إنه لأرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في أسفل البيت.
قال: فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم في سفله وكنا فوقه في المسكن، ولقد انكسرت جرّة لنا فيها ماء يوما، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا، ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء، تخوفا أن يقطر على رسول الله صلّى الله عليه وسلم منه شيء يؤذيه، فنزلت إليه وأنا مشفق، فلم أزل أستعطفه حتى انتقل إلى العلو.
قال: وكنا نضع له العشاء، ثم نبعث به إليه، فإذا ردّ علينا فضله تيممت أنا وأم أيوب موضع يده، فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة، حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه وقد جعلنا له فيه بصلا وثوما، فردّه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم أر ليده فيه أثرا، فجئته فزعا فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، رددت عشاءك ولم أر فيه موضع يدك، وكنت حينما ترد علينا فضل طعامك أتيمم أنا وأم أيوب موضع يدك نبتغي بذلك البركة. فقال: إني وجدت فيه ريح هذه الشجرة، وأنا رجل أناجى، فأما أنتم فكلوه. قال: فأكلناه، ثم لم نضع في طعامه شيئا من الثوم أو البصل بعد»[1]
أما الصورة التي رأيناها في مقامه صلّى الله عليه وسلم عند أبي أيوب الأنصاري في منزله، فتكشف لنا مظهرا آخر من محبة أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم له.
والذي يهمنا من ذلك هنا، هو التأمل في تبرك أبي أيوب وزوجه، بآثار أصابع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في قصعة الطعام، حينما كان يردّ عليهما فضل طعامه. إذن فالتبرك بآثار النبي صلّى الله عليه وسلم أمر مشروع قد أقره.
وقد روى البخاري ومسلم صورا كثيرة أخرى من تبرك الصحابة بآثار النبي عليه الصلاة والسلام والتوسل بها للاستشفاء أو العناية والتوفيق وما شابه ذلك.
من ذلك ما رواه البخاري في كتاب اللباس، في باب (ما يذكر في الشيب) ، من أن أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلم كانت تحتفظ بشعرات من شعر النبي صلّى الله عليه وسلم في جلجل لها (ما يشبه القارورة يحفظ فيه ما يراد صيانته) فكان إذا أصاب أحدا من الصحابة عين أو أذى أرسل إليها إناء فيه ماء، فجعلت الشعرات في الماء، ثم أخذوا الماء يشربونه توسلا للاستشفاء والتبرك به.
ومن ذلك ما رواه مسلم في كتاب الفضائل في باب طيب عرقه صلّى الله عليه وسلم أنه عليه الصلاة والسلام كان يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست هي في البيت، فجاء ذات يوم فنام على فراشها، فجاءت أم سليم وقد عرق رسول الله صلّى الله عليه وسلم واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش ففتحت عتيدتها «63»[2] فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها، فأفاق النبي صلّى الله عليه وسلم فقال:
«ما تصنعين يا أم سليم؟» فقالت: يا رسول الله، نرجو بركته لصبياننا، قال: «أصبت» «64» .
ومن ذلك ما جاء في الصحيحين من استباق الصحابة إلى فضل وضوئه عليه الصلاة والسلام والتبرك بالكثير من آثاره كألبسته والقدح الذي كان يشرب به «65» .[3]
فإذا كان هذا شأن التوسل بآثاره المادية، فكيف بالتوسل بمنزلته عند الله جل جلاله؟
وكيف بالتوسل بكونه رحمة للعالمين؟
ولا يذهبن بك الوهم إلى أننا نقيس التوسل على التبرك، وأن المسألة لا تعدو أن تكون استدلالا بالقياس. فإن التوسل والتبرك كلمتان تدلان على معنى واحد وهو التماس الخير والبركة عن طريق المتوسّل به. وكل من التوسل بجاهه صلّى الله عليه وسلم عند الله والتوسل بآثاره أو فضلاته أو ثيابه، أفراد وجزئيات داخلة تحت نوع شامل هو مطلق التوسل الذي ثبت حكمه بالأحاديث الصحيحة، وكل الصور الجزئية له تدخل تحت عموم النص عن طريق ما يسمى ب (تنقيح المناط) عند علماء الأصول.[4]




[1] الإصابة لابن حجر: 1/ 405، وسيرة ابن هشام: 1/ 479، وترتيب مسند الإمام أحمد: 20/ 292

[2] مسلم: 1/ 83

[3] (65) يرى الشيخ ناصر الألباني أن مثل هذه الأحاديث لا فائدة منها في هذا العصر، ذكر ذلك في نقد له على أحاديث كان قد انتقاها الأستاذ محمد المنتصر الكتاني لطلاب كلية الشريعة. ونحن نرى أن هذا كلام خطير ما ينبغي أن يتفوه به مسلم، فجميع أقوال الرسول وأفعاله وإقراراته تشريع، والتشريع باق مستمر إلى يوم القيامة ما لم ينسخه كتاب أو سنة صحيحة. ومن أهم فوائد التشريع ودلالاته معرفة الحكم والاعتقاد بموجبه. وهذه الأحاديث الثابتة الصحيحة لم ينسخها كتاب ولا سنة مثلها فمضمونها التشريعي باق إلى يوم القيامة. ومعنى ذلك أنه لا مانع من التوسل والتبرك بآثار النبي عليه الصلاة والسلام فضلا عن التوسل بذاته وجاهه عند الله تعالى، وإن ذلك ثابت ومشروع مع الزمن، فكيف يقال مع ذلك إنه لا فائدة منها في هذا العصر؟ .. أكبر الظن أن السبب الذي ألغى فائدتها بنظر الشيخ ناصر، أنها تخالف مذهبه في التوسل، غير أن ذلك وحده لا يكفي موجبا لنسخها وانتهاء فائدتها كما هو معلوم.
[4] : فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة
المؤلف: محّمد سَعيد رَمضان البوطي
الناشر: دار الفكر - دمشق
الطبعة: الخامسة والعشرون - 1426 هـ ص 141

Powered By Blogger